Happy Chinese New Year
Website counter
سجل الزوار
****************
****************
****************
****************
****************
****************
****************
****************
****************
****************

زوار الصفحــة اليـــوم

widgeo.net

حالـة الطقس فى مصـر

أرشيف المدونة

عن المدون

صورتي
الكاتبة الأديبة الدكتورة مرفت محرم ـ عضو اتحاد كتاب مصر
شاعرة وكاتبة وأديبة صدر لها : ديوان بهجة الروح ـ وديوان مصر التى ... ـ و كتاب فى ظلال الحياة ـ وكتاب (قطرات من فيض الرسول)ـ ومجموعة قصصية (مفترق طرق) ـ ومجموعة قصصية (النفق) ـ ومشاهد وأحداث (الزلزال)ـ ومجموعة قصصية (سقط سهواً) وتحت الطبع : نبع الحب ـ خيال مصراوى (لوحات مقامية ساخرة) ـ من وحى الطبيعة(مقالات مقامية ) ـ هموم مصرية(شعر)
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي

المتابعون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مفتتح




Website counter






مفتتح

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وما بدلوا تبديلا)
الأحزاب 21،22،23

شكر وتقدير




Website counter






شكر وتقدير

أتقدمُ بالشكر الجزيل والعرفان بالجميل إلى أستاذي الكبير والشاعر الأديب الأستاذ/عبد الرحمن البجاوي الذي ساهم في ميلاد هذا الكتاب وإبرازه إلى النور مقدما الكثير من العون والمساعدة،أعطاه الله الخير كله .
وإلى الأديب الكبير والشاعر النبيل الأستاذ/ مجدي شلبي ذي الروح العطرة الفياضة الذي احتوى أعمالي ودفعني إلى تسجيلها حتى كان هذا الإنجاز في زمن وجيز،جزاه الله عني كل خير .
وإلى القلب الكبير الذي قدم الخير لكل كاتب وشاعر،صاحب المشاعر النبيلة والقيم الأصيلة  /الحاج (علي صالح) صاحب (مطبعة دار الوثائق الجامعية) بشبين الكوم.  
كما أتقدم بشكر خاص إلى أعضاء منتدى الإبداع الثقافي والأدبي بالمنوفية جميعا لاحتفائهم بي وتشجيعهم المستمر، والله الموفق. 

الإهداء




Website counter






الإهداء

إلى الزهراوين ساكنَي الجِنان قرّةِ عينيّ:  حامد و محمد
أهدي إليهما قطَراتٍ من فيضِ الرسول..

                              د / مرفت محرم

تقديم للكاتب الكبير عبد الرحمن البجاوى




Website counter






مع قطرات من الفيض النبوي
بقلم الأستاذ / عبد الرحمن البجاوى

من أروع ما يعشق العاشق وأصفى ما ينهل الناهل وأروى ما يطفيء الظاميء الواله أن يسبح في هذا الفيض النوراني ويستمد قطرة نابعة من الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حيث نرتشف قطرات من فيضه خلال هذه الصفحات التي تكشف عن فراديس الحب الوجداني وأفاويق الشهد الفطري في حياة وسيرة خير الأنام نبينا (محمد بن عبد الله)عليه أفضل الصلوات وأتم السلام
وتضم هذه الصفحات غيضا من فيض القدوة الحسنة والخلق العظيم لهذا النبي الأمي اليتيم  الذي صنعه الله على عينه ووصفه بأنه على خلق لا يرقى إليه بَشَر،وبعثه الله رحمة للعالمين وخاتَما للمرسلين،وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا،ومجاهدا في الله حَق جهاده فدان له العرب والأعاجم وآمن بدعوته القاصي والداني؛ ففي أقل من قرن غزا الإسلام بكتائبه الميمونة قارة (إفريقية) و(آسيا) وعبر (طارق بن زياد) بأسطوله وجنوده إلى بلاد الأندلس فرفرف عليها لواء الإسلام ثمانية قرون !!
وقد أفاض الكتّاب والمؤلفون في رصد وتحليل وجمع كل ما عرِف عن الحبيب الهادي منذ مولده حتى لحاقه بالرفيق الأعلى بعد ثلاثة وستين عاما نشر فيها الأمن والأمان وحرر العبيد وحطم الأوثان فاندكّ الطاغوتُ بأصحاب التيجان والصولجان وسبحان من قال "كل من عليها فان"!!
كما شهد القرن الهجري الماضي نهضة إسلامية مباركة قوية تجلّت آثارها في هذا النبع الفياض من الكتب التي لا تُعَد ولا تُحصى في الحديث عن شمائل المصطفى والسيرة النبوية وجهاد الصحابة وغزَواتِهم لنشر الدعوة،ودور الصّحابيّات في إرساء هذا الصرح العظيم الذي يتعاظم من جيل إلى جيل،ويتأسّى به الخلَف بعد السّلَف،فضلا عن المؤرخين القدامى مثل ابن سعد في (الطبقات الكبرى)وابن هشام في سيرته والطَّبَري في تاريخه،وابن الأثير في (أُسْد الغابة في أعلام الصّحابة) والنُّويريّ في نهاية الأرب،إضافة إلى غير المسلمين الذين تناولوا هذا التراث الشامخ بالتحليل والتبجيل،وفي (الخالدون مائة)نجد أعظم وأول شخصية كتبها مايكل هارت عن الرسول،والبطولة والأبطال لتوماس كارلايل،وقصة الحضارة ل(ويل ديورانت)،ومحمد ل(كارين آرمسترونج)حتى نصل إلى (محمد الرسالة والرسول) د/نظمي لوقا تلميذ العقّاد(1889ـ1964)  صاحب العبقريّات التي على رأسها عبقرية محمد()،وهل ننسى دور الشعراء في مدرسة النبوّة بدءا من حسّان بن ثابت وكعب بن زُهير مرورا بالبوصيري القائل:
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ
وأنه خيرُ خلق الله كلّهمِ
وكلّهم عن رسول الله ملتمِسٌ
غَرفا من البحر أو رشفًا من الدّيَمِ
وحتى الصّرصري العراقي،والشّقِرّاطيسي التونسي وأحمد محرم(1877ـ1945) في (الإلياذة الإسلامية)التي جاءت في  5274 بيتا وشوقي (1869ـ1932) في نهج البُردة و الهمَزيّة ودول العرب وعظماء الإسلام له مما تناوله الباحثون في مؤلّفات ورسائل جامعية لاتُحصى ؟
وهذا الحب الإلهي لرسول الله وعترته الأطهار وآله وأصحابه الأبرار قد دفع الباحثين في الشرق والغرب لعمل هذه المؤلَّفات التي تعكس حبا فوق حب،وتنشَقُ عبيرا من طيب رسولنا الفوّاح وتنعم بالقرآن المنزّل بجبريل الروح  الأمين عليه وعلى نبينا أفضل التسليم كما تنعم بتحليل هذه الأحاديث الشريفة التي تفانَى في جمعها وتبويبها وترتيبها أصحاب السنن الكبار الكرام،ورواية هذا التشريع الذي أوصانا به رسولنا الكريم قائلا:"خذوا عني مناسكَكُم " و "تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي" مما يعَد وثائق متجدّدة لأجيالنا المتواكبة في أركان المعمورة وأساس بناء الدولة المدنية التي تأسستْ بعد الهجرة .
وتقدّم ا.د/مرفت محرم في مؤلّفها الذي عنوانه (قطَراتٌ من فيض الرسول )دراسة عن شخصية رسول الله وصحابته الأبرار بعد أن تفرغت لكتابة وقراءة الروايات المختلفة في المؤلّفات القديمة والحديثة ومتابعة موسوعة شبكة  (النت) ورصد هذه الجوانب والقطرات المتلألئة من سيرة خاتم النبيين والمرسلين،كما أنها تناولت منهج الإصلاح والدعوة من خلال السيرة العطرة وحال العالم قبل بعثة الرسول وصفات العرب الذين ولد فيهم الحبيب وكيف كان بيت النبُّوّة بسيطا دو ن القصور ونشأة اليتيم وبشائر النُّبُوة،والتوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله قولا وعملا مع أصحابه ومع أعدائه مؤكدة بما روتْ من أحاديث الصحابة وأمهات المؤمنين،وقد ضربت مثلا من لقاء رسول الله مع (عديّ بن حاتم ) ومع (عمرٍو بن العاص)ومع أهل المدينة المنوّرة،وكيف تعامل الرسول العظيم مع النساء المؤمنات وغير المؤمنات ومع مخالفيه في الرأي وكيف كان العفو في مواقف لا ينكرها التاريخ ولم يأتِ أحدٌ بمثلها ـكما نعلم ـ بعد رسول الله،وفي كل هذا رد على الأدعياء والمتفيهقين والناقدين للحدود التي شرعها الذي يعلم السر وأخفى،كما قدمت ا.د/مرفت محرم زيارة لبيت النبوّة وتواضع الرسول وشرفه،وكيف كان يأكل ويشرب ويلبس وينام ويتداوَى وما في الطب النبوي من سلامة للروح والجسد وفضل أذكار المصطفى ورياضة البدن من خلال الصلاة والصوم وما في الفيض النوراني الذي جاء به البشير النذير .
وختمتْ ا.د/مرفت هذا المؤلف بسرد بعض البطولات التي تتجدد دائما للرسول وصحابته من الرجال والنساء اللائي نزل في شأنهنّ قرآن يتلَى إلى يوم الدين ,كل هذا من خلال أسلوب راقٍ وبيان مشرق صادق وفكر واضح راجح مع رصد لكل هذه القيم والجوانب العلمية و العملية،بارك الله هذا العطاء الزاخر الذي قدمته الأستاذة الدكتورة بعد كتبها السابقة  (في ظلال الحياة،مصر التي، بهجة الروح) والتي سعد بها القُرّاء،ومزيدا من العطاء المتألق في بحار الكلمة الشريفة لله والوطن والدعوة الغرّاء،واللهَ أسأل أن يجعله في عداد حسناتها وأن ينفع به الأمة ويهدينا سواء السبيل،إنه سميع مجيب.

أ /عبد الرحمن البجاوي
عضو اتحاد كتاب مصر

رسالة إلى الحبيب




Website counter







الباب الأول : الشخصية المحمدية

رسالة إلى الحبيب

ألا ترى معى قارئى الكريم أننا أصبحنا وأضحينا وأمسينا بعيدين كل البعد عن نهج الرسول ؛ ندعو الله فلا نحظى بالقبول … نشكو ونضيق بالدنيا والحياة ، وأمامنا الطريق الموصل للنجاة .....
هذا هو حالنا الحليك ، الذى يدعونا بقلب رقيق إلى المناجاة:
فيا رسولنا الكريم ـ رسول الله رب العالمين ـ ... نسألك بصادق عهدك وبعظيم رسالتك : هل نحن أهل لمحبتك ؟...
نحن الفقراء  فى أرض الله ، وتحت سماه ، أردنا مخاطبتك بمناجاة ؛ نشكوا إليك فيها حالنا المخيف ، الذى حال بيننا وبين جوهر دينك الحنيف ....  فبماذا نبدأ شكوانا ، ونستمد  بمدد منك قوانا  ، بعد أن بلغ بنا الهوان هوانا 
وتفرقت الأمة وازاداد الشقاق ، وعمت الغمة وانهارت الأخلاق ؛ بخروجنا عن نطاق هديك الخلاق
أُنتزعت الرحمة من القلوب ، وتراكمت الذنوب ، وساد الفساد بين العباد ، وتوغلت الأحقاد والضغائن ، واستمسك اللهاة بكل فعل شائن
إنقسمنا على أنفسنا انقسام الجهلاء ، فسهل أمر اختراقنا من قبل الأعداء ، وظهر منا الخائن والغادر والمتحالف ، ونُصبت المشانق لكل رأى مخالف .....
لقد دخلت المادة من باب العبادات ، على نحو جعل الإخوة والأخوات يتقاتلون من أجلها ، ويدفعون حياتهم ثمناً لها .... تفككت الُلحمة ، فلا رحم يوصل ولا رحمة
وتنازع البشر فيما بينهم نزاع الألداء ، حتى أن بعض العلماء أضحوا يرفعون لواء الفتنة والبغضاء .... فذهب الصفاء والنقاء ، لقاء أطماع سياسية ، أو مكاسب شخصية ؛ فتفرق الدين إلى فرق وجماعات ، تحت العديد من المسميات ، كل منها بات يدعى وحده النجاة .....
لقد نسينا يارسول الله ماتركته فينا من ألفة وسكينة ، ومحبة ومؤاخاه ؛ فادعى البعض أنه مبعوث العناية الإلهية ، وراح بلا روية يضع الجميع بإصرار ، فى قائمة الكفار ، وكأنه مالك لمفاتيح الجنة والنار !
لقد نسى هؤلاء الأدعياء ، النهج الذى جئت به ياخاتم الأنبياء .... أشهروا فى وجه المجتمع سيوف البغض والكراهية والعداء ؛ فكشروا عن أنيابهم ، ودعوا لأنفسهم دون غيرهم دعاء حب الذات بأنانية بغضاء
.... عن أبى هريرة "أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين ثم قال : اللهم ارحمنى ومحمدا ولا ترحم معنا أحد ؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : لقد تحجرت واسعا .... ثم لم يلبث أن بال فى ناحية المسجد ؛ فأسرع الناس إليه ؛ فنهاهم النبى وقال : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ، صبوا عليه سجلا من ماء " صححه الألبانى
لقد نفروا الناس أجمعين من دينك السمح القويم ... فضيقوا واسعاً ، وعسروا الميسر ، وراحوا يفسرون ما سبق أن فُسر على نحو يعسر ، ضاق النطاق حول الأعناق ، ونسوا الرحمة واللين وما وصفك به الله رب العالمين (وإنك لعلى خلق عظيم) ، ونسوا ماورد فى الحديث الشريف :  حدثنا ‏ ‏عبد السلام بن مطهر ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏عمر بن علي ‏ ‏عن ‏ ‏معن بن محمد الغفاري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ "‏إن الدين يسر ولن ‏ ‏يشاد ‏ ‏الدين أحد إلا ‏ ‏غلبه ‏ ‏فسددوا ‏ ‏وقاربوا ‏ ‏وأبشروا واستعينوا ‏ ‏بالغدوة ‏ ‏والروحة ‏ ‏وشيء من ‏ ‏الدلجة‏"
لقد نسوا أن من رحمتك المهداة ، ونعمتك المسداة ؛ أن قيل لك يارسول الله أدع على المشركين فقلت : "إنى لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " رواه مسلم
لعلك يا سيدى تسأل عن أحفاد : حمزة وخالد وعلى وطارق بن زياد ، ولعلك تسأل عمن خلف إبن الخطاب فى عدله وحكمه الذى عنا غاب ، وصدق الصديق وعثمان وعلى وبقية الأصحاب  ....
يخجلنا الجواب يارسولنا الكريم ، فشأن أحفادهم مهين مهين ...
هذا حالنا ياسيدى الذى حال بيننا وبين استجابة الدعاء ، وأوقعنا فى شرك العناء والشقاء .....
لكن بشائرك التى بشرتنا بها ، لم ننسها ، فهى أملنا ، وحلمنا الودود الذى فاتنا ، ولن يتحقق الإ بالنهوض من كبوتنا بتوكل دون تواكل معهود
لقد حملت ياسيدى هموم أمتك ورفعت من شأنها ، وأردتها عالية بين الأمم جميعها ، وتركتها وأنت راض عنها بإخلاص ، فكانت خير أمة أخرجت للناس
فما أحوجنا فى هذه الفترة الدقيقة من حياتنا إلى مراجعة مسيرتنا وسجل أعمالنا ، على ضوء الكتاب وسنة نبينا لنستعيد أمجادنا التى كنا عليها ، والتى وعدنا بها .،.ونستطيع ـ بإذن الله ـ  تحقيقها .
فعلى قدر استقامة الأمة تتحقق خيريتها ،وعلى قدر انحرافها تظل تنحدر إلى أسوأ حالاتها ؛ فتصير إلى ذلك الغثاء الذى تحدثت عنه ياخاتم الرسل والأنبياء فى قولك الذى جاء ، رائياً بنور الوحى رأياً مرئياً :"يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها .. قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ ؛ قال : لا ! إنكم كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل "
واليوم ننادى بالسير على نهجك ، والرجوع إلى سنتك وهديك ؛ لكى ينجو هذا الغثاء من تداعى الأعداء عليه ، فينهض من وهدته بإيمان وحماس ؛ ليصبح بحق خير أمة أخرجت للناس … فما أحوجنا أن نقتبس من نورك قبسات نقوم بها ما فات من اعوجاج فى حياتنا ونستشرف الآت بقلوب مفعمة باليقين و الإيمان ، ونقرب الجيل الجديد من الإسلام
وفى محاولتى ارتشاف قطرة من قطرات فيض الرسول ، لا أدعى الكمال ، لكنها محاولة على كل حال ، أجتهد فيها بقدر ما ألهمنى الله فى هذا المجال من إلهامات ، وما منحنى من عطاءات... لندرس سيرتك العطرة من جديد ، ونقترب من شخصيتك وعظمتها ؛ لنقتدى بها ولا نحيد ....

السيرة العطرة منهج للإصلاح والدعوة




Website counter






السيرة العطرة منهج للإصلاح والدعوة

تظل سيرة الحبيب ؛ منهلاً لكل دارس أريب فتفيض بقطراتها النورانية التى تنعش الأفئدة بمتعة روحية ، وتعيدنا من جديد إلى منبع الهداية البعيد عن التفريط أوالتشديد  
فتجمع السيرة النبوية العطرة .. ما يتوافق مع استواء الفطرة لتصبح دراستها ، واستخلاص عبرتها ودلالتها المنبع الأصيل ،  للهداية إلى الله ومنهاجاً لحياة البشر جيلاً بعد جيل
فيضمن بها أهل الدعوة والإصلاح وصول رسالتهم بنجاح والتى ينشدون من خلالها فلاح الأمة ، وإزالة الغمة والكروب ... فتتفتح لدعوتهم القلوب والعقول ، إقتداءاً بالرسول الحبيب المحبوب
ولأن النبى الكريم مرسل أمين ومصلح عظيم فسيرته النبوية تتيح لمن وعى وتدبر الكثير من الدروس والعبر وهى واضحة للعيان منذ طفولته وحتى وفاته عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ...وقد وصلت تلك السيرة النبوية للأمة المحمدية محققة بطريقة علمية وقوة ثبوتية لا مجال فيها للمراء أو الجدال
ولعل ما يلفت النظر فى حياة سيد البشر الجميل أن تلك الرسالة التى أكرمه بها الله رب العالمين ... لم تخرجه عن إنسانيته فسيرته لم تضفى عليه صفة الألوهية يأمره رب البرية (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىَّ إنما إلهكم إله واحد) "الكهف 110"
إن السيرة النبوية شاملة لكل النواحى الإنسانية ؛ فهى تحكى لنا صفاته فى شبابه وسلوكه مع أترابه ؛ فقد كان أحلى من العسل المصفى ، وأغدق من الوعد الموفى ، جلى الصفاء والبهاء ، نبيل الخلق راجح العقل والذكاء ... ثم تحكى لنا سيرة رسول الله الداعي إلى الله ، الملتمس إحدى الوسائل لقبول دعوته ، الباذل منتهى طاقته وجهده فى إبلاغ رسالته ، فى لين جانبه وثبات عزيمته ... كما تحكى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المربى المرشد ، والمعلم الملهم ؛ الذى يشرف على تربية أصحابه تربية مثالية ، فينقل فيها من روحه الطاهرة إلى أرواحهم الزكية ، ومن نفسه العالية وخلقه العظيم إلى نفوسهم المتلقية الواعية ، فيحاولون الاقتداء به فى كل الأمور ، بكل خلق جميل وأدب نبيل شكور
وسيرته تحكى لنا سيرة المحرب الشجاع الجسور،  والقائد المنتصر الظفور ، فكأنه الحسام الباتر ، والأسل العاتر ، والسيف القصال ، والأسمر العسال ، والحسام إذا لمع ، والرمح إذا أشرع ....
وكان فى آن السياسى الناجح ؛ فبين لهم أن الإسلام قد أخذ كل وسيلة من الوسائل العصرية ، لنشر الدعوة كما حدث فى رحلة الحديبية ؛ فكل يجرى فى حينه مع مناسبته وأسبابه ، فهو لا يركن على السيف وحده رغم قدرته عليه ، ولا الى السلم وحده رغم ميله إليه ، بل يضع كليهما حيث يوضع ، ويدفع بكليهما حيث ينبغى ان يدفع ، وهو الحكم المتصرف حيث يختار ما يختار ، وليس الآلة التى يسوقها السلم او الحرب مساق الاضطرار
كما كانت قدرته الدبلوماسية فى التعاهد والتهادن بحكمة وروية ، نموذجاً يحتذى كما حدث فى صلح الحديبية ...
ففى الوقت الذى تجلت فيه قدرته على قيادة الجيوش الحربية ، كان الجار الصادق الأمين فى معاهداته السلمية
فسيرة الرسول شاملة لجميع النواحى الإنسانية ، ، بما يجعله القدوة الصالحة لكل داعية ، وكل قائد ، وكل أب ، وكل زوج ، وكل صديق ، وكل مربى ، وكل سياسى ، وكل قائد ورئيس
إن سيرة محمد تعطينا الدليل الذى لاريب فيه على صدق رسالته ونبوته ، فهى سيرة إنسان كامل سار بدعوته من نصر إلى نصر فارق ، لا عن طريق المعجزات والخوارق ، 
فقد تعرض فى دعوته للإيذاء ، وصبر على هذا الابتلاء حتى أصبح له أنصاراً أشداء ، استطاعوا الصمود فى وجه أعداء الدين سنوات ، متمسكين بسلاح الشدة فى حين واللين أحياناً كثيرة ، حتى لفت الجزيرة العربية تلك الدعوة الإسلامية ، وجاء الاتباع ، عن طريق الإقناع ... بإيمان وتسليم ... بصدق الرسالة التى حملها إليهم رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
إنها سيرة أعظم إنسان عرفته البشرية فكان خير البرية الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين ... فقد عمر الله بشكره البقاع وأمتع بذكره الأسماع وأمر الأنام بالصلاة والسلام عليه فى خشوع تام عليه أفضل وأزكى السلام فسيرة هذا النبى الجميل خير الخلق أجمعين تحكى سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة فما أحسن حكمته ورويته وحديثه وهدايته

شخصيتة




Website counter






شخصيتة
تمهيد :
نحن فى هذا الفصل نتكلم عن شخصية محمد صلى الله عليه وسلم ... بإسلوب جديد فى الكتابة ، بعيد كل البعد عن التعقيد أوالرتابة ... أسلوب يقوم على المصاحبة بلا استعلاء ، واليقظة والتأمل بكل صفاء ونقاء ، فى أحوال سيد الخلق الذى جاء ، متمماً لرسالة السماء ... ودراسة المنابع الخفية ، التى أثرت فى سلوك وأخلاق خير البرية على نحو ماجاء بجلاء ؛ فى القرآن الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم 4
تلك المنابع الوفيرة والمواقف الخطيرة الخفية ، تطلعنا على حياة مجتمع من المجتمعات العربية ، التى نشأ فيها خير البرية ، النبى العدنان عليه أفضل الصلاة وأتم السلام
فالأحداث جليلة الخطر ... فى أطوار الأفراد والشعوب والأمم ، والدول والحضارات ، وهى بهذا جديرة بالعديد من الأبحاث والدراسات ؛ للتعلم والاعتبار بهدوء وروية، ، وتحليل أطوار النفس الإنسانية ، فى ضوء دراسة هذه الأحداث الكبرى فى ذاتها ، تلك الدراسة لا تقل أهمية عن تحليل مكونات النفس الإنسانية ، بل تربو عليها ، فمن خلالها ؛ نستطيع فهم واستيعاب أصل مكوناتها
وذلك لنتعقب الظاهر هنا ، وصولاً إلى أصوله الباطنة ... وهى محاولة تحتاج منا إلى قراءة واعية ماهرة ، تشبه تعقب الفاحص لفروع النبات الظاهرة ، وصولاً إلى جذوره الغائرة .... وهو شوط أصطحب فيه القارىء الصديق لنتلمس الطريق والطريقة ؛ للصعود إلى سماء الحقيقة ... مستعينين على السداد فيما نويناه ، بعقل وهبنا الله إياه

1 ـ العالم قبل بعثته




Website counter






1 ـ العالم قبل بعثته

هاهو العالم فى حالة شارفت على النهاية ، والدنيا فى حاجة إلى رسالة وهداية ، عالم يتهيأ للهدم والانهيار الشديد ، ويتطلع إلى تغيير المسار نحو بناء جديد
عالم فقد عقيدته فاهتزت ثوابته ، واضمحل مكانه ومكانته ، واختل نظامه ، وأهترأ سلطانه .... فبزوال القوة الإيمانية العظيمة ؛ غادرت الطمأنينة نفوس البشر ، وزال الخير وحل الشر ،وانتشر كل فعل شائن ، وسادت الوساوس والضغائن  ... فبلا إيمان لا مجال للحديث عن الأمان ، ولا عن العدل بين إنسان وإنسان .... ولا فصل ولا تمييز بين طغاة وأبرياء ، ولا بين مختلين وعقلاء ، ولا بين أصحاب حقوق وأدعياء
ففى أيدى ثلاث دول عظمى ؛ تمركزت القوى: دولة الفرس ، ودولة الروم ، ودولة الحبشة ... فخرجت الروم من الدين المسيحى القديم ، إلى الجدل العقيم ، ففقدت قوتها ، وضاعت هيبتها ، وطمع فيها من كان يحتمى بها ..فهذا هرقل أجج الخلاف الطائفى بين الرومان ، بطريقة قمعية دموية ، فأخذ يذبح من يخالفه فى عقيدته المذهبية ، فى ظل فساد السلطة الرومانية الحاكمة مالياً وإدارياً وسياسياً ؛ حتى وصل بهم الحد أن فرضوا ضريبة على الشعوب تسمى (ضريبة الرأس) وهى ضريبة يدفعها المواطن نظير ترك رأسه دون ذبح.!! .....  أما فارس فقد سَخِر المجوس من دينهم ، وأضحت الشهوات والفتن والغيلة كل حياتهم .فقد أدمنوا عبادة النار ، وعبادة كسرى الطاغية ، الذى كرس الطبقية والكراهية ، بين صفوف الشعوب الفارسية ؛ ومن ثم فقد وجدنا فى هذا الزمان والمكان ، استعدادات عامة للانتحار الجماعى العام !! ...... وكذا الحبشة ضائعة بالتبعية ؛ بين عبادة الأوثان والهمجية ، وليست لها رسالة فى الدنيا ، ولا سجل أعمال تحفظه لها البشرية ...
أما جزيرة العرب الحرة ، فتتأهب لإقامة دولة لأول مرة ، بعد أن تيقظت لوجودها ، وشعرت بمكانتها ، وأرادت استعواض ما فاتها ، درءاً للمخاطر التى تتعرض لها ؛ ففى أيديها تجارة العالم بأجمعها ، ويحوم حولها من يريد إخضاعها وابتلاعها  ... فهرقل الرومى يرسل إلى مكة من يحكمها ويروعها ، وأبرهة الحبشى يزحف إلى مكة ليهدم الكعبة التى بها ، ويبنى فى اليمن كعبة غيرها... وفارس تطغى على شرق البلاد وجنوبها ....
وهاهى مكة بقعة واحدة اجتمعت فيها ثروة الجزيرة فضلاً عن المكانة ، وإن قريشاً عصبة واحدة اجتمعت فى أيديها ثروة مكة فضلاً عن السيادة ....فخطر يهددها من الخارج زادها يقظة وانتباها لوجودها ، وخطر من داخلها يدفع بها دفعا إلى الزوال ، أو إلى استكمال النقص فى إحيائها.
فالديانة التى يزعم معظم العرب أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ؛ لم تكن سوى ديانة شرك وعبادة للأوثان ، واعتقاد بات بالوهميات والخرافات ، غير أنهم حافظوا بشكل حيوف على بقايا من الدين الحنيف ، مثل تعظيم البيت والطواف ، والحج والعمرة ، والوقوف بعرفة والمزدلفة وإهداء البدن .... وكانت لهم مراسم وتقاليد متبعة ، فى عبادة الأصنام مبتدعة...... فعمرو بن لحى ابتدع أكثرها فتوناً غير أنهم كانوا يظنون أن ما أحدثه بدعة حسنة وليس تغييراً فى الدين على نحو خطير وعظيم ..... فكان من مراسم عبادتهم للأصنام أن : يحجون إليها ، ويطوفون حولها ، ويتزللون عندها ، ويتقربون إليها بالقرابين فيذبحون وينحرون لها بأسمائها ، ويتقربون إليها بشىء من مأكلهم ومن مشربهم ، ويخصصون نصيبا لها من حرثهم وأنعامهم ... وهم يعكفون إليها ، ويحتمون بها فى الشدائد معتقدين أنها تشفع لهم عند الله ، وتزيح عنهم كل بائد
وكانت العرب تستقسم بالأزلام ، والميسر والقداح وهو ضرب من ضروب القمار ، ويشربون الخمر جهاراً نهاراً ، ويؤمنون بما يأتيهم به الكهنة والعرافين والمنجمين من أخبار ؛ فكانت فيهم الطيرة (التشاؤم) وغير ذلك من معتقدات وأفكار
هذا المناخ الذى أعلن عن عوزه واحتياجه ، لمن يصلح ما عابه وما شابه ؛ فيرشده إلى الهداية العظيمة على طريق الحياة ، ويبنى عقيدته السليمة بالمعرفة الحقة لله
هذا هو المناخ الذى سبق انفلاق الصبح وبزوغ الشمس ؛ مولد النبى الكريم ، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

2 ـ الصفات العظيمة لمكانة جزيرة العرب




Website counter






2 ـ الصفات العظيمة لمكانة جزيرة العرب

رغم أن أهل الجاهلية كانت فيهم رزائل دنيوية ، وأمور ظاهرة ومخفية ؛ ينكرها العقل السليم الآن ، ويأباها الوجدان ، إلا أنهم اتصفوا فى آن  بأخلاق بهية فاضلة حميدة ، تنم عن مشاعر إنسانية راقية فريدة ، منها على سبيل المثال  :
ـ الكرم : وكانوا يتبارون فى ذلك ويفتخرون ، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم ، تعبيراً عن جميل شمائلهم وطباعهم ، فكان الرجل يأتيه الضيف ، فى شدة البرد أو قيظ الصيف والجوع يفعل به فعلته ، وليس عنده من المال إلا ناقته ، التى هى حياته وحياة أسرته ، فيدفعه شدة الكرم والجود ، فيقوم إليها ، ويذبحها لضيفة الموجود
ـ الوفاء بالعهود : فقد كان العهد ديناً عندهم ، يتمسكون به ، ويتهينون فى سبيلة قتل أولادهم ، وتخريب ديارهم
ـ عزة النفس وإباء عن قبول الخسف والضين : وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة ، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان ، إلا أثاروا الحروب بلا توان ، وكانوا لايبالون بالتضحية بأنفسهم فى هذا السبيل إذا اقتضى الحال
ـ المضى فى العزائم : فإن عزموا على شىء ـ يرون فيه المجد والافتخار ـ لايصرفهم عنه صارف الأقدار ، بل يخاطرون بأنفسهم فى سبيل العزة والانتصار  
ـ الحلم والأناة والتؤدة : كانوا يتمدحون بها لما لها من دليل كمال ، إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود وصعبة المنال ،  لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم على القتال
ـ السذاجة البدوية : وعدم التلوث بالملوثات الحضرية بمكائدها وصنائعها المزيفة البهلوانية ، فكان من نتائج فطرتهم السوية صفات :الصدق والأمانة ، والنفور من الخداع والغدر والخيانة .
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ، والصفات العظيمة ، إضافة لما كان لجزيرة العرب من مكان ومكانة ، بموقعها الجغرافى بالنسبة للعالم ـ كانت سببا فى اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة ، وقيادة الأمة الإنسانية ، والمجتمعات البشرية ، قيادة أساسها دعم الأخلاق الفاضلة ، ونبذ الأخلاق الشائنة ، وإصلاح المجتمعات فى كل مكان ، بما يحقق الإيمان والأمان ، وهذا هو ما سعى إليه الإسلام

3 ـ القبيلة :




Website counter






3 ـ القبيلة  :

ينتمى محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة قريش التى كانت تسكن مكة بأوديتها وتقوم بخدمه الكعبه ـ مركز الأرض ونواتها  ـ  وإطعام الحجاج وتوفير الماء لهم من زادها وزوادها .... و قد توارثوا هذه المهام والمكانه من جدهم المرحاب قصى بن كلاب ، الذى انشأ داراً بجوار الكعبه ، أطلق عليها اسم دار الندوه ، للتشاور فى شئون القبيلة والحج ، ولحل الخلافات ... وهو الأمر الذى بات موكولاً فقط لأبناء تلك القبيلة ، ذات القيمة والمكانة العظيمة

4 ـ بيت النبوة




Website counter






4 ـ بيت النبوة

وتعرف أسرته صلى الله عليه وسلم  بالأسرة الهاشمية نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف
ـ هاشم بن عبد مناف :
وهو أبو عبد المطلب جد الرسول ، وقد تولى السقاية والرفادة ـ وهو الدور المناسب ـ  بعد تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب ، فهو كان موسرا ذا شرف كبير وعظيم ، وهو من أطعم الثريد للحجاج القادمين ،  وكان اسمه عمرو فما سمى هاشما إلا لهشمه الخبز إطعاماً للمحتاجين ، وهو أول من سن رحلتين لقريش ـ كما جاءنا من أنباء ـ(رحلة الشتاء والصيف) بلا جدال ولا مراء  وفيه يقول الشاعر :
عمرو الذى هشم الثريد لقومه
                            قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما
                            سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وقد قيل إنه خرج متاجراً إلى الشام ، فلما حطت الرحال والأقدام أرض المدينة ، تزوج سلمى بنت عمرو ـ أحد بنى عدى بن النجار ـ  وأقام عندها فى الدار أوان ، ثم خرج إلى الشام ، وهى عند أهلها حاملة بولدها  عبد المطلب ، فمات هاشم بغزة من أرض فلسطين ، وولدت امرأته سلمى عبد المطلب سنة 497 م، وسمته شيبة لشيبة كانت فى رأسه
ـ عبد المطلب :
وهو جد الرسول من بيت تلك الشعبة الوسطى ، له كرم النسب العريق المانح ، وليس لؤم الثروة الجامح ، والكبرياء الجائح ... ذلك هو بيت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من صميم قريش الأشراف ، ومن ذؤابتها العليا القوية ، وإن لم يكن معدودا من أثرياء القبيلة القرشية ...
ورأس هذا البيت عبد المطلب : رجل قويم الخلق ، قوى الإيمان ـ فيما آمن به ـ ، حكيم فى تصرفه وكلامه ، مع قوة طبعه ، وشدة إيمانه ، وهو على هذا التكوين الإنسانى الشامخ المؤمن الرزين ؛ خليق أن ينجب العقب الذى يبشر بدعوة ، وينضح عن دين
وهو الذى نذر لإن عاش له عشر بنين ؛ لينحرن أحدهم عند الكعبة عن يقين ، ثم أحله قومه بعد حين ، وأحلته العرافة من نذره المبين ، حتى بلغت الإبل مائة بالتمام ، وخرجت القداح عليها بسلام
وهو الذى سأل القائد الحبشى عندما جاء ، ليهدم الكعبة الغراء ، وليسطو على الإبل والشاه  أن يرد إليه إبله الآن ، فقال له السياسى المحرب المداور للكلام : " أراك تسأل عن إبلك ولا تسأل عن الكعبة" ... فأجابه عبد المطلب جواب الحكيم المؤمن بلا غرو ولا تيه :"أما الإبل فأنا ربها ، وأما البيت فله رب يحميه" فإيمانه يتسم بالحصافة والكياسة ، فكان كفئا لدهاء السياسة .... فلم يكن إيمان العجز والتواكل والاستسلام ، بل بالقوة والحكمة كان الإيمان
ففى هذا الوقت من الزمان ؛ كان عبد المطلب بمثابة الزعيم فى هذا المكان فقد انقذ الكعبة من هلاك محقق ووبال ، عندما أمر قبيلته بصعود الجبال ، والدعاء بكل تضرع وإيمان ، أن يحمى الله بيته الحرام ؛ فأستجاب للدعاء ، وارسل طيوراً من السماء ، تحمل احجاراً من سجيل ، أبادت جيش ابرهه العظيم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) الفيل 5:1
ومن مآثر عبد المطلب أيضاً ؛ انه اعاد حفر بئر زمزم ، وكان يقدم الطعام و الماء للفقراء من الحجاج ، على غرار ما كان يفعله الأجداد
فعبر هذا الخلق الكريم وهذا الإيمان العظيم وتلك الزعامة والرئاسة ، عن فطنة وإيمان وكياسة ، ونقاء قلب ، وصفاء نفس ، وذكاء عقل وفراسة ؛ فليس عجيباً أن تنجب حفيداً نبيا بهذا البهاء ، فى زمن يستدعى الانبياء .
هذا هو جد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذى تولى احتضانه وتربيته ، بعد وفاة والده ، وهذه هى لمحات من شخصيته
ـ عبد الله
وهو والد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان إنساناً من طينة الشهداء يتجه إلى القلب الإنسانى بكل طهر ونقاء ، بما فيه من حب وحنو ورحمة وصفاء ، فهو الفتى الذى إسمه عبد الله ، فسلم من أسماه ، فقد اختير للفداء ـ فأباه قد نذر ـ شعرت أمه بالخطر ، فجاشت له شفقة قومه ، حتى تركه لهم القدر ، لكن إلى حين ، وهو الفتى الوسيم الذى تحدثت الفتيات فى الخدور عن جماله وحيائه ، وفطنته وذكائه .... وهو الفتى الذى أقام مع عروسه ثلاثة أيام لا غير ، ثم سافر ليتجر ولم يكن به مرض ولا ضير ، فمات وهو غريب بعيد عن المحبين ، وولد له نسله الكريم وهو دفين ...وهكذا تتمثل البصائر الخاشعة ، تلك الحكمة الرائعة ، فى سيرة آباء الأنبياء والسلالة التى تصل بين الآخرة والدنيا ، بين الأرض والسماء، بين عالم البقاء وعالم الفناء.
أبو طالب :
وعرف باسم عبد مناف ، وقد تولى النبى بعد وفاة جده عبد المطلب ، وتكفل به ورباه صغيراً ، ونصره نبياً ورسولاً وقال فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم :
إن إبن آمنة النبى محمدا  ..  عندى يفوق منازل الأولاد
رعيت فيه قرابة موصولة    وحفظت فيه وصية الأجداد

5 مولد النور




Website counter






5 مولد النور

ولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فى يوم الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول الموافق 571 ميلادية  المشهور بعام الفيل ، فأشرق على الدنيا نور وضعته أشرف عقيلة فى قريش آمنة بنت وهب 
وكانت تحس بينها وبين نفسها ، أن حملها بوليدها ليس حملاً عادياً ، فلن يكون طفلها كسائر الأطفال بشكل عام فقد أتاها آت فى المنام فقال لها : "إنكِ قد حملتى بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض ـ ساعة ولادته ـ فقولى : "أعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، ثم سمه محمدا"  ... وقد روى أن إرهاصات بالبعثة النبوية وقعت عند ميلادته المحمدية ؛ فسقطت أربعة عشر شرفة ... من إيوان كسرى ، وخمدت النار التى يعبدها المجوس ، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت .
فقالت يوم ولدته : "خرج من فرجى نور أضاءت له قصور الشام" ،
وقد رأى عبد المطلب ـ جد الرسول ـ فى منامه "كأن سلسلة من الفضة خرجت من ظهره لها طرف فى السماء وطرف فى الأرض ، وطرف فى المشرق وطرف فى المغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها "

6 ـ نسب النبى




Website counter






6 ـ نسب النبى

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ وإسمه شيبة ـ بن هاشم ـ وإسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قصى ـ واسمه زيد ـ بن كلاب بن مرة بن كعب إبن لؤى بن غالب بن فهر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النذر ـ وإسمه قيس ـ بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ـ وإسمه عامر ـ بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ..... وهو ذو نسب زكى فلم يزل صلى الله عليه وسلم ينتقل من خير الآباء إلى خير الأبناء حتى انتهى إلى كبير مكة وقريش فى الجاهلية عبد المطلب بن هاشم ثم إلى أبيه عبد الله والد المصطفى أشرف الناس نسبا عجما وعربا ؛ وهذا هو النسب الزكى : إبراهيم خليل الله دعامة ، وإسماعيل سنامه ، وكنانه زمامه ، وقريش نظامه ، وهاشم تمامه
إختاره الله من أرفع البيوت والمنازل ؛ وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من إسماعيل كنانة ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريشا بنى هاشم ، واصطفانى من بنى هاشم ؛ فأنا خيار من خيار من خيار)
وقول عمه أبو طالب : إذا اجتمعت يوماً قريش لمعشر فعبد مناف سرها وصميمها ، وإن حصلت أنساب عبد منافها ففى هاشم أشرافها وقديمها ، وإن فخرت يوما فإنا محمداً هو المصطفى من سرها وكريمها ، ولا غرو فلم يكن فى آبائه مسترذل ولا مستبذل بل كلهم سادة قادة 

7ـ الرسول




Website counter






7ـ الرسول

ولد النبى الذى تتطلع له الأمة ، ليزيل بهديه الغمة ، فهو النبيل صاحب النسب العريق ، حاله رقيق ـ فقير وليس بالغنى المترف ـ كى لا يطغيه بأس النبلاء والأغنياء ، فيغلق قلبه ..... يتيم بين رحماء ، ليس هو بالمدلل إلى الحد ... الذى يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال ، وليس هو بالمهجور المنبوذ ، الذى تقتل فيه القسوة والعوز روح الأمل وعزة النفس واليقين ، وفضيلة العطف على الآخرين
خبير ـ خبرة نادرة ـ بكل ما خبره العرب من دروب العيش فى البادية والحاضرة ، تربى فى الصحراء والوديان وألف المدينة ، واشتغل برعى الأغنام وهو فى سن صغيرة ، فتعود الاعتماد على النفس ، واكتساب الرزق ، بالكد والتعب ، ولعل الحكمة فى رعى الأنبياء ـ قبل النبوة ـ  للغنم ، هو إعدادهم لرعاية الشعوب والأمم ، فمن تلك الرعاية التى يرعونها ، وبقومون على شئونها ،  يكتسبون قدرات وصفات ، تؤهلهم لما هو آت ، بالحلم والشفقة ، والعطف والرحمة ، واعتياد الصبر وطول البال ، والتريث والأناة ، وزجر الباغى العنيف ، وجبر كسر الضعيف ، كما اشتغل بالتجارة فكان الأمين بغير خلاف ، وشهد الحروب والأحلاف ، واقترب من الثراة ولم يبتعد عن الفقراء ، وهو خلاصة الكفاية العربية ، وعلى صلة قوية بالدنيا التى أحاطت بقومه ؛ فهو لا يجهلها فيغفل عنها ، ولا يغامسها فيغرق فى لجتها .
خلق محمدا بن عبد الله بخلق أراده له الله ؛ ليكون رسوله الأمين ، مبشرا بدين قويم يتسق مع خلقه الكريم ويتوافق مع فطرته فى تمازج واتحاد ، وهى الرسالة العالمية التى أعده لها الله أكمل إعداد .

9 ـ بشائر الرسالة




Website counter






9 ـ بشائر الرسالة

إن الذين شهدوا العلامات وطالعوا البشائر والمقدمات  يوم الميلاد ، لم يعرفوا مغزاها ومؤداها الذى أراد الله بها أن ينبه العباد ، إلا أن الذين سمعوا بالدعوة وأصاخوا إلى الرسالة بعد البشائر بآماد ـ بأربعين سنة ـ ولم يشهدوا بشارة واحدة منها ، لم يحتاجوا إلى مشاهدتها ، ليؤمنوا بصدقها ، ويوقنوا بحدوثها .
فقد ولد مع النبى عليه السلام أطفال كثيرون فى مشارق الأرض ومغاربها ، فإذا جاز للمصدق بتلك البشائر أن ينسبها إلى مولده ، جاز للمكابر أن ينسبها إلى مولد غيره ، ولم تفصل الحوادث بالحق بين المصدقين والمكذبين ، إلا بعد عشرات السنين
يوم أتت الدعوة بالآيات والبراهين ، فأضحت غنية عن شهادة الشاهدين ، وإنكار المنكرين .
أما العلاقة التى لا التباس فيها ولا سبيل إلى إنكارها فهى علامة الكون ، وعلامة التاريخ .
قالت حوادث الكون : لقد كانت الدنيا فى حاجة إلى رسالة .
وقالت حقائق التاريخ : لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة
فإحساس زيد بن عمرو بن نفيل كان عميقاً ، وشعوره بمقدم نبى كان صادقاً، رغم أن زيد لم يكن عرافاً ولا منجماً ؛ لكنه كان رجلاً مفتوح العينين على واقع البيئة ، وروح العصر ... فبالسليقة : أدرك وجود حاجة تاريخية ، فبلغ إحساسه بحتمية هذا المجىء الخفاق ، وأنه لن يتأخر على الإطلاق ، وكان يود أن يكون هو صاحب هذه الرسالة ، فيحظى بكل مافى هذا الاختيار من شرف ومكانة ، أو يجمعه الله بحالته ، مع من يكون الاختيار من حظوته ... إن هذا الإرهاص والتنبؤ لابن نفيل ، يخضع بلا معاناة فى التعليل لما أسميناه بدقة علمية (ضرورة تاريخية) كانت تبشر بمجىء محمد ـ صلى الله عليه وسلم 

8 ـ تعريفه صلى الله عليه وسلم بنفسه




Website counter






8 ـ تعريفه صلى الله عليه وسلم بنفسه

قال إبن إسحاق : وحدثنى ثور بن يزيد ، عن بعض أهل العلم ، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعى : أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال :" نعم ، أنا دعوة أبى إبراهيم ، وبشرى (أخى) عيسى ، ورأت أمى حين حملت بى أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت فى بنى سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لى خلف بيوتنا نرى بهما لنا ، إذ أتانى رجلان عليهما ثياب بيض وبطست من ذهب مملوءة ثلجا ثم أخذانى فشقا بطنى واستخرجا قلبى فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبى وبطنى بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزننى بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمئة من أمته ، فوزننى بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزننى بهم فوزنتهم ، فقال : دعه عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها".

الرسول والرسالة




Website counter






الرسول والرسالة

ونحن بصدد الحديث عن الرسول والرسالة ، أصطحبك عزيزى القارىء لنطلع على الحالة الآنية ، التى توضح بصورة جلية ؛ كنه الشخصية وعظمتها ، وقوة إيمانها وثباتها وصلابتها الشجاعة ، المقاومة للمساومات والمراوغات الخداعة ، الهادفة لصرفه عن المهمة التى بعث لأجلها ، بغية إلهائه عن تبليغها ...
لكن هيهات ، فقد قاوم كل الإغراءات ، وتحمل كل الإهانات والتهديدات  بثباته على عقيدته ، وحرصه على إتمام دعوته ، ونشر رسالته التى كلفه بها الله ، متوكلاً عليه فى مسعاه
صدع الرسول بالرسالة بروح المؤمن الثابت الرصين ، متمسكاً بقوة يقين ؛ بنصرة الله رب العالمين
ولنبدأ سويا رحلتنا الإيمانية ، لنشاهد مواقفه الإنسانية ، من تلك الاختبارات والابتلاءات القوية
موقفه من عمه أبى طالب :
حين قال له ـ وياله من قول خطير ـ : إن قريشا تشدد عليه النكير ، بسبب ما يبسطه عليه من حماية ، وما يوليه له من رعاية ، وإنه ـ على كبر سنه ومكانته ـ ، مهدد باجتماعهم على مقاطعته وعداوته
وقد قالوا له : إنا والله لا نصبر على هذا ؛ من شتم أبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك ، حتى يهلك أحد الفريقين ....
فتقدم عمه إليه كناصح أمين ، قائلاً له بقلب شفيق : فابق علىَّ وعلى نفسك ، ولا تحملنى من الأمر مالا أطيق
هذا عمه ، حصنه الأوحد وحاميه ، يوشك أن يتخلى عنه ويصديه ، ولن يكون بعد هذا الموقف المحدد ، إلا الهلاك المؤكد ، إما هذا وإما أن يخرج عمه ويبقى على حمايته له ، فيتعرض معه لمخاطر مهلكة ، فى تلك المعركة غير المتكافئة .... تلك بحق معضلة شائكة.
فعمه هو الذى ربى وكفل ، بعد جده الذى رحل  .... إنه الذى دلل وأعز هذا اليتيم ، ومحمد أوفى الناس بالمعروف وأحفظهم للجميل ، وأبقاهم على الوداد ، وأبر وأقسط العباد أجمعين ، فأى حرج شعر به أمام ذلك الرجاء ؟ وأى تورط هذا الذى جاء على لسان كافله ومربيه ؟ وأى امتحان لمعرفة البر وعرفان الجميل والنخوة التى كانت صفات أساسية فيه ؟
إن الامتحان النفسى فى هذا المقام ، والإكراه المعنوى والضغط الأدبى الذى كان ، لهو أعنف آلاف المرات ، من اللطمات والبصقات والسخرية واللوم ، التى كيلت له من سفهاء القوم .
وأطرق محمد إطراقة تعبر عن حزنه وهمه ، فقد كان هلاكه أهون عليه من تخييب رجاء عمه .... إلا أن ما يحمله من أمانة ، وما أمره الله من تبليغ للرسالة ، جعله ينطق بشجاعة الإيمان ورسوخ اليقين :
ـ "ياعم ! والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى شمالى على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"
ولم يخذل العم الشهم الكريم إبن أخيه فى موقفه الثابت على الحق المتمسك باليقين ، بل ثابر على نصره  وقال له بحنان واطمئنان ، وهو مأخوذ بذلك الإيمان :
ـ إذهب يابن أخى فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشىء تكرهه أبداً
الموقف الثانى :
هؤلاء ذؤابة قومه (قريش) عند الكعبة يجتمعون ، ويرسلون إليه رسولهم يقول :
ـ يا محمد إنا واللات ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحدث تطلب به مالا ؛ جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تريد به الشرف فينا ؛ فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ؛ ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك ؛ بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك
هو إذاً ملك حاضر بغير عناء ، وثراء يأتى دون انتظار ، لبذل جهد واصطبار.... فأى مساومة هذه التى كانت رأس المساومات ؟ وأى أفكار تلك التى زانت هذه الإغراءات ، إغراءات لو عرضت على غيره لقبلها ، بل وسال لعابه لها ، لكنه واجهها برفض قاطع بات ، عبر عنه بحسام الكلمات ، ذات المغزى العميق والدلالات :
ـ "مابى وما تقولون ! ماجئت بما جئتم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ؛ ولكن الله بعثنى إليكم رسولا ، وأنزل علىَّ كتابا ، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربى ، ونصحت لكم ؛ فإن تقبلوا منى ماجئتكم به وهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم"
كلمات نطقها الرسول الكريم ، المبعوث رحمة للعالمين ، أثبتت عن يقين ، أنه المكلف بالبلاغ الأمين ، فلا مأرب له من وراء دعوته ، غير إنقاذ قومه وأمته من الشرك والضلال المبين ، وقد استنفدت المآرب بشكل كامل فى ذلك العرض الشامل  من الجاه العريض إلى الملك العضوض
ولكن ما الملك ؟ وما الجاه ؟ وما الثراء ؟
هباء هو .... بل أهون من الهباء
وفى أى وقت يقول هذا ؟
فى وقت عز فيه النصير من البشر، وطارده السفهاء بالأذى فى قريش وغير قريش أينما ذهب ، يقوم بأمانة الدعوة فى قلوب كالحجر ؛ حتى حزبه الأمر ، وبلغ منه الضيق مبلغه فتوجه ‘لى الله بمناجاة  :
ـ ـ "اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى على الناس يا أرحم الراحمين أن رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ، أم إلى عدو ملكته أمرى ؟ إن لم يكن بك علىَّ غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هى أوسع لى ... أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك أو يحل علىَّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك"
هكذا كانت المناجاة ، تعبير عن خشية من الله ، أن يكون هذا الضرب والشج والتحقير غضب منه عليه ، فإن لم يكن ربه غاضباً عليه فلا يبالى بما يفعلون ، بل كان دائماً يقول "اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون"
إن هذا هو الصدق الصادق لهذا الرسول الكريم ، الشجاع الصبور ، المؤمن برسالته الجهور بها ، المدافع عنها ، المتحمل فى سبيل توصيلها ؛ هذه المواقف ومثيلاتها .... فلم يهتز إيمانه ، ولم يغير موقفه منها ، وظل على حاله من الإصداع بالرسالة التى أوصاه الله بها
هاهى شخصية الرسول وعظمته ، وإيمانه وتقواه وزهده ، ووفاءه بعهده ، وتركه الدنيا والفوز برضا ربه ، وإتمام دعوته :
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة 3
والسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين 

أسس هذا الموقع ويحرره الكاتب الأديب مجدى شلبى 01008784120